الثلاثاء، 6 يوليو 2010

استعادة العصرالذهبي للإسلام





هناك نمط سلوكي مُقلق في بلاد الرمال.إننا نقضى وقتاً طويلاً في تذكر الماضي الاسلامي والتباكي على فقدانه، بينما نقضى وقتاً قليلاً في التفكير في مستقبلنا و الحياة التي سنتركها لأولادنا من بعدنا..لماذا ضحينا بهذا المستقبل وذبحناه قرباناً من اجل العوده لذلك العصر البائد؟
لسنا الشعب الوحيد الذي كان له عصر ذهبي وحضارة ماضيه. العديد من الشعوب ايضا كان لها عصور ذهبية تألقت فيها وازدهرت، ولكنها تعترف بأن تلك الازمنه ذهبت وولت الى غير رجعه. لا احد يستطيع اعادة الماضي ولكن بإمكانه صنع المستقبل. صارت هذه الشعوب تتطلع الى مستقبل جديد افضل يحمل الأمل بأن يكون ذهبياً هو الأخر ولكنه حتماً سيكون مختلفاً عن ذاك العصر الماضي السابق.
انه لايعقل ان يأتي شعب بعراقة الشعب اليوناني والذي كان له حضارة تركت الأثر الأقوى على العالم برمته وخاصة في علوم الفلسفة والمنطق والرياضيات ومفاهيم الديموقراطيه ويقرر انه سيعيد ذلك العصر بالضبط..انه مُضحك ان تجد الرجل اليوناني وقد إرتقى جبل الاكروبوليس وهو يرتدى تلك الملايات البيضاء التي كان اجداده يلبسونها وعلى رأسه إكليل الزهور وهويلقى خطب الحكمة على قومه الذين يعيشون القرن الواحد والعشرين... ولكن شر البلية مايُضحك اليس كذلك؟ فهاهو الانسان العربي المسلم وليس اليوناني هو الذي يحاول إرتداء ازياء القرن السابع ويماثل الرسول وعصره بلحية ونقاب ومسواك وثياب قصيره.
إن المسلمين العرب ليسوا الوحيدين الذين كان لهم عصر ذهبي..ولكنهم الوحيدون في هذا العالم الذين يحاولون الرجوع اليه وإستعادته بهذا السلوك الغريب المبني على إعتقاد ساذج بأن تقليد سلوك الرسول وصحابته الذين عاشوا في القرون الغابره هو ماسيعيد لهم عصرهم الذهبي.
إن الخلل في هذا الإعتقاد هو الظن بأن الضعف الذي طرأ على الإسلام وجعله يخسر عصره الذهبي هو ان افراد المجتمع إنخرطوا في سلوكيات غير مقبوله فصاروا لايلبسون مثل النبي ولا يأكلون مثله ولم يتمسكوا بأقواله فزعل رب الرمال وحطم عصرهم الذهبي ذاك! أنها ذات الكذبة التي تقول خسرنا الأندلس لأننا شربنا الخمر ومارسنا السيكس مع القيان. في الواقع إن العكس صحيح فالذي دمر العصر الذهبي لم يكن إلا الشريعة نفسها التي يريدون تطبيقها اليوم وسأشرح ذلك لاحقاً في هذا المقال.
الفكرة العظيمه التي تفتقت عنها عبقرية الاسلاميين إن إتباع الشريعه الاسلاميه كلمة بكلمه ستعيدهم للماضي العظيم. بعبارة اخرى انهم سيعودون للعصر الذهبي بسلوك شعوذي يقوم على تقليد تصرفات الناس الغابره...كيف تكون العوده الى تقليد السلوكيات القديمه منهجاً لإستعادة عصر ذهبي ؟ شيء لايدركه عقلي ولا ادري من الذي ضحك عليهم بهذا الكلام؟
يعني هذا بأنه عندما ينجح الأنسان المتحضرفي بناء اول مستعمرة فضائيه في سنة 2100م سنكون نحن العرب ولله الحمد قد دخلنا سنة 670 م وبعدها بشوى سندخل عام الفيل.. أي عقل هذا و أي جنون؟
لماذا ينكرمُدعوذي الاسلام على الانسان المسلم حقه الطبيعي بأن يشارك في المتغيرات التي تطرأ على العالم من حوله؟ لماذا يحرمونه من العيش في العالم الحقيقي بدل هذا الخيال الذي انتهى. هل يتساءل احدكم بعد هذا لماذا فشلنا في مواكبة العصر الحقيقي الذي تعيشه بقية شعوب العالم؟
إن المجتمعات الناجحه المتقدمه و النابضة بالحياة هي تلك التي تتطلع للمستقبل..إنها ليست تلك التي تعيش في الماضي. الانسانيه تستثمر لتنتقل الى المستقبل ونحن نعمل بجد ..لنعود للماضي. اتساءل احياناً إن كنت اعيش بين اناس اسوياء.
إنه طبيعي ان تستقى المجتمعات ذات العصور الذهبية القيم والاخلاقيات من الماضي..ولكنه ليس طبيعياً ابداً ان نعتقد إننا لايمكن ان نخلق شيئاً اخر افضل من ذلك العصر البائد القديم..لو بقينا نفكر بتلك الطريقه فلن نترك مستقبلاً لأطفالنا..بل سنترك لهم ماضي خيالي لايمت للواقع ولا الحياة بأي صلة.. سنتركهم في مستشفى للمجانين نبينه قبل ان نرحل عن هذه الحياة.
لهؤلاء المسلمين الذين يفكرون هكذا اريد ان اسألهم ماهو التقدم بالنسبة لهم؟ هذا سؤال بديهي والاجابة عليه بسيطةُ جداً وهي:
التقدم هو ان تفعل شيئاً اليوم افضل من الذي فعلته بالأمس.
أن يكون بإمكاننا ان نفعل اشياء افضل من تلك التي فعلها الذين سبقونا. إذا كان العربي في بلاد الرمال اليوم يظن انه لايستطيع ان يقوم بشيء افضل مما قام به أجداده أو صلعم..فعلى الدنيا السلام. لو كان يظن فعلاً انه لايستطيع ان يقوم بشيء افضل من صحابة صلعم..فأنه لن يفكر حتى بالمحاوله. انه انتحار جماعي لأمه.
جعل مشايخ الاسلام من خلال دورهم الكهني "الشريعة الاسلاميه" فوق كل شيء بما فيه الزمن. فالزمن يمضي والشريعه ثابته حتى خلت مع الوقت من اي مضمون عقلاني يناسب العصور التي تعاقبت عليها.أصبحت قانوناً وقواعد منهية الصلاحيه. لاتناسب أي عصر. ادت محاولة التمسك بتطبيق هذه الشريعة القديمه كقانون الى اضعاف النظم الحكوميه و السياسيه و الاقتصاديه للدوله الاسلاميه على مر الزمن بالتدريج حتى انهت عصرنا الذهبي بنفسها. هذه التي يراد تطبيقها ومن خلال عدم مرونتها هي التي قتلت و خنقت فرص التقدم ومرونة التغيير.
اليوم تقوم هذه الشريعه بنفس الدور التخريبي الذي مارسته على مر العصور فهي تضعف ولاء المسلم المؤمن لدولته وتخلي مسؤوليته في دعمها . تخيل ان هذه الشريعه هي كمركبة زمن ولكنها لاتذهب للمستقبل، فقط تعود للماضي بلا عوده.
لقد حرضت الشريعه الانسان المسلم ضد استقلالية الدوله بحيث يجوز للمواطن ان يرفض ويثور على الحاكم الذي لايطبقها..هذا دور تدميري ليس فقط لحق الانسان بالتطور بل قرار ينسف الذات من الداخل ولايضع اي احترام لنظام سياسي ولا لحكومه ولا لقانون. هذا مايجعل الحكام و الحكومات تتمسح في رجال الدين تبحث عن المعاذير والتبارير بفتوى يجوز و لايجوز في كل ماتفعله.
كيف تستطيع حكومة ان تبنى او تخطط للتنميه في ظل شريعة تمس السمة السياديه للدوله. كيف لها ان تفرض القانون تحت تهديد العصيان من الشعب الذي يرى في شريعة الماضي مستقبلاً. هذه الدوله اصبحت بعيدة عن واقع الحياة اليوميه.
مؤسسات الدوله تحتاج الى الحريه لتتمكن من التغيير وفي ضوء هذا التحدى صرنا نعيش كذبة. نعم صرنا نكذب على انفسنا لنتوافق مع هذه الشريعه التي ستأخذنا في يوم ما الى العصر الذهبي. فماذا نفعل اليوم لأضفاء الشرعيه على حياتنا؟
صرنا نمارس ما يجدر تسميته "الحيل الشرعيه". نحن نسن القوانين بموافقة "العلماء الشرعيين" ونعتبرها متوافقة مع الشريعه. نؤسس بنوكاً نقول انها غير ربويه متوافقة مع الشريعه ولكنها تتحايل لتغير مسميات الفائده. تمنع الدولة الفكر الحر بحجة انه غير متوافق مع الشريعه .
حكوماتنا في بلاد الرمال حكومات ضعيفه. نعم كلها ضعيفه..وعفواً فقد تكون هذه الحكومه قمعيه و تعاقب بشده وتسجن معارضيها ولكن هذا ليس بدليل على انها قويه لأنها تفتقر الى قاعدة التأييد الشعبي القائم على قوة الدستور والقانون والمُثل العليا للأمه.
بعد فشل الدوله العربيه القوميه (بسبب دكتاتوريتها وتسلطها) تمكن المدعوذون من نشر فكرةٍ شريره بين الشعوب العربيه تعتبر ان حكوماتها كلها غير شرعيه وانها خائنه يجب ان تزال.
المتطرفون الاسلاميون يعرفون جيداً اليوم ان الشعوب تفكر هكذا لذا فهم يتحينون الفرصه للاستيلاء على حكوماتهم وحكمهم وتحويل كل واحده من بلاد الرمال الى نموذج طالباني. انهم يشوهون سمعة العلمانيه ليطرحوا بديلهم الوحيد وهو العوده للعصر الذهبي للاسلام..الى القرن السابع الميلادي والى سنة 670م. انهم يكرهون الغرب ليس لأنه إستعماري بل لأنه يحمل ضمن ثقافته حرية الانسان والفكر. ان العودة للماضي هو هدف سياسي للجماعات الاسلاميه ليس للعصر الذهبي ولكن لعصر جديد من الاستبداد.
أكثرمن غباء فكرة تقليد الماضي للعوده الى العصر الذهبي،هو عجز الحكومات العربيه عن مجابهة هؤلاء من خلال وضع رؤية إيجابيه للحياة والمستقبل لمواطنيها. رؤية تحمل الطموح والعمل الجاد والعلم وليس العودة لتقليد السلوك الماضي، أن رؤية صادقة فيها رجاء وامل ستحبط أمل الاسلاميين الهاربين من المصحه العقليه المهوسين بإعادتنا لذاك العصر الذهبي...كيف لاتستطيع هذه الحكومات مقاومة فكرة بهذه السذاجه؟ لا اعرف.
بن كريشان

المصدر 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزى الراغب فى التعليق
يرجوا ان يقتصر تعليقك على الحوار البناء والهادف
نرجوا الأبتعاد عن السب والشتيمة كى لا يحذف تعليقك