الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

المسيحية برؤية ملحدة !

المسيحية ..
هي أكبر ديانة على وجه الأرض من حيث عدد التابعين الذين يبلغون أكثر من 2 مليار إنسان.
هي ديانة عمرها حوالي ألفي عام و تعتبر من أقدم الديانات في العالم.
تنتشر المسيحية في أوربا و الأمريكتين و شمال آسيا و جنوب غرب أفريقيا و أستراليا.
و مع أن الذين لا يؤمنون بالمسيحية في العالم هم اكثر بكثير من الذين يؤمنون بها إلا أن معظمهم من أتباع ديانات أخرى و ليسوا ملحدين أو حتى لادينيين. و قد تعرضت المسيحية للنقد من هؤلاء و أولئك, فالكثير من المسلمين قد إنتقدوا المسيحية و هاجموا الكثير من مزاعمها و لكن بوجهة نظر إسلامية. يعني مثلا حين ينتقدوا عقيدة التثليث المسيحية فهم ينتقدوها من زاوية الوحدانية الإسلامية لله الفرد الصمد. و حين ينتقدوا شريعة الزوجة الواحدة فهم ينتقدوها من زاوية إباحة تعدد الزوجات و هكذا. و مع ان الاوربيين قد مارسوا نقد المسيحية من وجهة نظر ملحدة في كثير من الاحيان إلا أن الثقافة العربية ينقصها مثل تلك الرؤى الملحدة خصوصا أن معظم الملحدين من اصل مسلم و ليس لديهم إطلاع كبير على المسيحية أو حتى ليسوا مهتمين بها. لذلك كان من المفيد كتابة نقد إلحادي للمسيحية عن طريق تفكيكها إلي عناصر أولية و من ثم غربلة كل عنصر من تلك العناصر.
من الممكن تفكيك الديانة المسيحية إلي عدة عناصر كالتالي :
1- الأساطير
2- العقائد
3- التعاليم
4- الطقوس
5- التاريخ

أولا : الأسطورة المسيحية

تنقسم المسيحية في الواقع إلي ديانتان : اليهودية و المسيحية
و للديانتان كتابين : للأولى العهد القديم و للثانية العهد الجديد
و مع ان اليهودية لا تعترف لا بالمسيح و بالمسيحية إلا أن المسيحية و المسيحيين لا يزالوا يتمسكون بكل تفاصيل العهد القديم و يؤمنون بكل ما في هذا الكتاب أنه موحى به من الله شخصيا. و بالتالي فإن الأسطورة المسيحية تشمل الكتابين التوراة و الإنجيل و يعود الفضل لبولس الرسول في ربط السياق الدرامي للأساطير التوراتية بالأسطورة المسيحية في الإنجيل ليقدم لنا رواية شديدة الإثارة لها نكهة شكسبيرية هي قصة الخلاص.
و تتلخص قصة الخلاص لمن لا يعرف في الآتي :
هناك إله عظيم قوي قادر هو الله هذا الإله هو بطل الرواية حيث يبدأ الفصل الاول في التكوين على ان الله خلق السماوات و الأرض لكن في الفصول الباقية كما في أشعياء و دانيال و غيره يكشف لنا المفسرون المسيحيون عن قصة مثيرة وقعت قبل خلق السماوات و الأرض ..
حيث أن الله يبدو أنه قد سام الوحدة في وقت من الاوقات في زمنه الممتد إلي ما لا نهاية و قرر أن يخلق الملائكة و كان لديه ملاك رائع و جبار هو سطنائيل (زهرة بنت الصبح) و هذا الملاك جاء عليه يوم و فكر أن يتكبر و يتعالى على الله و لكن الله علم بما يدور في خلد الملاك سطنائيل و عاقبه و مسخه إلي شيطان ..
12 كيف سقطت من السماء يا زهرة بنت الصبح كيف قطعت الى الارض يا قاهر الامم 13 و انت قلت في قلبك اصعد الى السماوات ارفع كرسي فوق كواكب الله و اجلس على جبل الاجتماع في اقاصي الشمال* 14 اصعد فوق مرتفعات السحاب اصير مثل العلي* 15 لكنك انحدرت الى الهاوية الى اسافل الجب
(أشعياء الإصحاح رقم 14 )
طبعا هناك من الملائكة من إتبع هذا الملاك الساقط فتم مسخهم أيضا و من هنا يبدأ التاريخ و يبدأ الصراع الطويل بين الخير المتمثل في الله طبعا و بين الشر المتمثل في الشيطان عدوه اللدود.
بالطبع يحزن الله قليلا ثم يقرر أن يخلق كائنا جديدا و يكون على صورته و مثاله و يرفعه فوق كل المراتب بدلا من الملائكة الساقطين و هكذا يخلق الإنسان بعد ان خلق له الكون كله ..
الله يشترط على الإنسان شرط واحد لإستمرار الود بينهما و هو أن لا ياكل من الشجرة التي في وسط الجنة لأنه يوم ياكل منها موتا يموت و لكن الشيطان يتحايل و يتجسد في صورة حية متكلمة و يغري حواء بالأكل من الشجرة و حواء بدورها تقنع آدم بالأكل منها و من ثم ينقطع حبل المودة بين الله و الإنسان و يضطر الله آسفا إلي طرد آدم من جنته الجميلة ..
و لكن الله يلعن الثلاثة وقتها و يعد بخلاص الإنسان في نفس الوقت :
14 فقال الرب الاله للحية لانك فعلت هذا ملعونة انت من جميع البهائم و من جميع وحوش البرية على بطنك تسعين و ترابا تاكلين كل ايام حياتك* 15 و اضع عداوة بينك و بين المراة و بين نسلك و نسلها هو يسحق راسك و انت تسحقين عقبه* 16 و قال للمراة تكثيرا اكثر اتعاب حبلك بالوجع تلدين اولادا و الى رجلك يكون اشتياقك و هو يسود عليك* 17 و قال لادم لانك سمعت لقول امراتك و اكلت من الشجرة التي اوصيتك قائلا لا تاكل منها ملعونة الارض بسببك بالتعب تاكل منها كل ايام حياتك* 18 و شوكا و حسكا تنبت لك و تاكل عشب الحقل* 19 بعرق وجهك تاكل خبزا حتى تعود الى الارض التي اخذت منها لانك تراب و الى تراب تعود
( التكوين الإصحاح رقم 3 )
يقول المفسرون المسيحيون أن نسل المرأة يسحق رأس الحية تعني أن المسيح الذي هو من نسل المرأة سيسحق رأس الشيطان و تكون تلك اللعنة و النبوءة في آن واحد هي نهاية الفصل الاول ..
في الفصول اللاحقة الله يختار شعبا بعينه ليكون شعبه الخاص تحضيرا للبشر لميلاد المخلص المسيح و يرسل لهم أنبياء وراء أنبياء في طابور طويل لا ينتهي و من ثم يخطئ شعب إسرائيل مرات كثيرة و يقع في مصائب كثيرة فيرسل الله لهم مخلصين صغار ترميزا للمخلص الكبير الذي هو المسيح.
ثم في النهاية و في ملء الزمان يأتي المخلص مولودا من إمراة لم تمارس الجنس مع أي رجل ( هكذا يقولون ) و هذا المخلص الجبار هو المسيح : الله شخصيا يتدخل في القصة.
بالطبع الفكرة مثيرة و ترضي غرور الإنسان جدا و هذا ما يجعل لها جاذبية و يزيد من متعة الرواية فالمسيح له قدرات خارقة حيث يستطيع ان يشفي المرضى و يقيم الموتى و يعلم ما في العقول و القلوب و يتحكم في الطبيعة و المناخ و يمشي على المياة و يحول الماء إلي خمر و يخرج الشياطين و يغفر الخطايا .. ألخ
بالإضافة إلي أنه خطيب مفوه و مجادل بارع و حبيب النسوان ( حب من طرف واحد ) و إبن بار بأمه و قوي الشكيمة و وسيم طبعا .. بإختصار بطل من أبطال الأساطير الشرقية التقليديين. و لديه أيضا تعاليم خارقة في مثاليتها و كمالها و قد تصادف أن تلك التعاليم ملزمة لكل الناس لكي لا يدخلوا جهنم بعد قيامة الاموات ..
سنأتي لموضوع التعاليم بعد ذلك و لكننا الأن نستعرض قصة الخلاص المسيحية.
المهم ان المسيح يكمل مهمته الإنتحارية من أجل خلاص البشرية فيموت على الصليب ثم ينزل إلي الجحيم و يفك أسر الناس الموعودين بالخلاص ثم يصعد إلي جسده المدفون و يقوم من الاموات معلنا خلاص البشرية و الإنتصار على الشيطان و من ثم ..
يعدك المسيح أنه سينقذك من عذاب جهنم لو انك فقط آمنت به و إتبعت تعاليمه و كنت من أبناؤه المخلصين.
نهاية القصة : تصفيق حاد و تصفير .. برافو برافو

القصة جيدة بوجه عام ..

لها حبكة متكلفة و تبدو مثل الأفلام الهندي لكن بقية التسلسل الدرامي جيد و نكهة وليم شكسبير تفوح من كل حكاية في العهد الجديد بالذات. أما أكثر المواقف الدرامية التي تعجبني في تلك الرواية فهو موقفين على وجه الخصوص :
- موقف قبلة يهوذا للمسيح في بستان جثيماني :
48 فقال له يسوع يا يهوذا ابقبلة تسلم ابن الانسان ( لوقا : الإصحاح رقم 22 )
هذا الموقف يذكرني برواية يوليوس قيصر لشكسبير حين يكتشف يوليوس قيصر أن بروتس هو أحد الذين يقتلونه فيقول له : حتى أنت يا بروتس .. إذن فليمت قيصر.
قبلة يهوذا و طعنة بروتس هما أكثر موقفان يرمزان للخيانة في التاريخ الدرامي كله و لذلك فإن هذة المواقف من المواقف التي لا تنسى من أي رواية ..
- أيضا موقف الصلاة في بستان جثيماني :
39 ثم تقدم قليلا و خر على وجهه و كان يصلي قائلا يا ابتاه ان امكن فلتعبر عني هذه الكاس و لكن ليس كما اريد انا بل كما تريد انت
( متى – الإصحاح رقم 26 )
هذا الموقف يذكرني برواية هاملت لشكسبير أيضا حيث يقول هاملت : أكون أو لا أكون .. تلك هي المسألة
الموقفان لهاملت و المسيح يكشفان الصراع الوجودي داخل النفس البشرية حيث يصارع بطل القصة نفسه لكي يقبل المهمة الملقاة على عاتقه. فالمسيح في رواية الخلاص يصارع نفسه لكي يقبل المهمة الإنتحارية الموكلة إليه حيث الصلب و المهانة من أجل خلاص البشرية و هاملت يصارع نفسه من أجل مهمة الإنتقام من عمه قاتل أبيه ..
يعني المسيح هنا يشبه يوليوس قيصر أحيانا و يشبه هاملت أحيانا أخرى و يشبه هرقل بطل الأساطير في أحيان ثالثة و بالتالي فإن القصة لها نكهة شكسبيرية جميلة و بناء درامي رائع و صراع وجودي للبطل مع ذاته و مهمة إنتحارية و صراع بين الخير و الشر ..

قصة ممتازة و ينقصها فقط أن تكون حقيقية ..

المسيحية يمكن تلخيصها بأن المسيح قد ولدته أمه بعد أن تزوجت من إله و الذي يستطيع أن يجعل أي إنسان يحيا للأبد لو تناول من بعض الخبز و الخمر الذي يتحول إلي لحمه و دمه و أخبره بطريقة تخاطرية أنه قد قبله ربا و سيدا.
هذا المسيح قد أرسله والده في مهمة إنتحارية لإصلاح الطبيعة البشرية التي فسدت حين خدع ثعبان متكلم إمرأة مصنوعة من ضلع رجل و جعلها تأكل تفاحة من شجرة سحرية. كل المسيحيين يؤمنون بقصص الثعبان المتكلم و الشجرة السحرية و الخبز الحي و الدم المحيي و المهمة الإنتحارية التي جاء المسيح من اجلها.
القصة صعبة التصديق و لا يمكن ان تكون قد حدثت فعلا بكل تأكيد و لكنها قصة جميلة و خيالية على أي حال و بناءها الدرامي ممتاز و مطعمة بلاهوت غامض و تعاليم بوذية الأصل فيكون الناتج النهائي هو المسيحية كما يقدمها لنا المذهب الكاثوليكي بالذات.
بالطبع هناك من يحب الأفلام و الأساطير الهندية و هذا من حقه و لكن من يحتمل إنسانا يصدق أن أميتاب باتشان يستطيع ضرب مئات من اعداؤه بقبضة عارية أو أن سوبرمان حقيقي أو ان كل الأبحاث العلمية و المعملية قد أثبتت أن سبايدر مان موجود فعلا ..
الخيال مقبول كخيال, يمتعنا كخيال و يوحي إلينا بأشياء في الواقع, لكن تجاهل الواقع و تصديق الخيالات هو قلة تكيف مع الواقع و قلة شجاعة أيضا. و بالطبع يصم صاحبه بالعته و الجنون.
إن المسيح كبطل رواية شكسبيرية هندية الأصل هو بطل جذاب و محبوب و لكنه لا يتعدى أن يكون بطل قصة خيالية. لا يمكن لاحد ان يتعبد لهرقل في الزمن الحالي لأن من المعروف أنه خيال فقط. لكن هناك مع ذلك في العالم الكثير من الأطفال الكبار الذين يؤمنون فعلا بأن المسيح كان يمشي على الماء و يقيم الموتى.
ربما كان المسيح موجودا و ربما لم يكن, فالتاريخ و المؤرخين لم يحسموا أمرهم بهذا الخصوص بعد و هناك فيلم مثل zeitgeist يقدم رؤية لها إعتبارها تفيد بان المسيح لم يكن موجودا قط. لكن على أي حال حتى و لو كان موجودا فلا يمكن أبدا أن يكون هو المسيح الأسطوري صاحب المعجزات و الخوارق ..
أتصور أنه إنسان يهودي بسيط سافر للهند و أعجبته التعاليم البوذية فراح يعلمها لليهود و هو يجادلهم من التوراة لكي لا يتم فضح أمره (لأن اليهود متعصبين للغاية لدينهم) فإتبعه العديد من الناس و ظنوه إلها .. هذا كل شيء و القصة في هذا الإطار تبدو منطقية جدا. أما ما عدا ذلك فالقصة لا تحتمل ان تكون حقيقية لأنه بجانب أنها أسطورية هناك الكثير من الثغرات المنطقية فيها ..
مثلا لماذا خلق الله المخلوقات إن كان لا يحتاجهم ؟ و لماذا خلق الشيطان و هو يعرف أنه سيخطئ ؟ و لماذا لم يقتله او يسجنه في بداية القصة إن كان يستطيع ذلك ؟ و لماذا تركه يغوي الإنسان ؟ و لماذا لم يسامح الإنسان بدلا من إرسال نفسه في مهمة إنتحارية بعد آلاف السنين ؟
طبعا هذا بجانب : كيف كان المسيح يمشي على الماء ؟ و كيف يكون الخبز و الخمر هما جسده و دمه و هو جالس و سليم في العشاء الرباني ؟ و كيف أنجبت مريم المسيح بدون ان تمارس جنسا ؟ و كيف تم تحويل الماء إلي خمر في عرس قانا الجليل ؟
المرء يستطيع أن يسأل العديد و العديد من أسئلة "لماذا" ؟بجانب المئات من أسئلة "كيف" ؟ و لن يجد إجابة على أيهما.
في النهاية لا يمكن للمرء أن يتخطى فترة المراهقة إلا و هو كافر بالمسيحية ..
http://www.ladeenyon.net/forum/viewtopic.php?f=11&t=32134

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزى الراغب فى التعليق
يرجوا ان يقتصر تعليقك على الحوار البناء والهادف
نرجوا الأبتعاد عن السب والشتيمة كى لا يحذف تعليقك